"دولتي فعلت هذا": في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت، أين العدالة الضائعة؟

Beirut Blast 1.jpg

Families of Beirut blast victims speak to journalist Petra Taok of a far-fetched justice on its second memorial

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

مرت ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت، أكبر انفجار غير نووي عرفه التاريخ الحديث والذي أودى بحياة أكثر من 200 قتيل و6000 جريح. العدالة لم تجد طريقها بعد لترميم ما هدّم داخل كل مواطن لبناني. وفي ظل تلاشي الدولة اللبنانية والفراغ السياسي، هل خذلت بقايا الدولة اللبنانية ضحايا انفجار مرفأ بيروت مرّتين في غياب عدالة لن تعيد من سلبت حياتهم وأحلامهم في رحم الوطن، ولكن قد تعيد اعتبارهم وتكون بداية لما يردده اللبنانيون كل يوم "تنذكر وما تنعاد"؟ وماذا يقول ذوو الضحايا لذويهم؟ وكيف يختم جرح بات على مساحة وطن في غياب المحاسبة؟


النقاط الرئيسية:
  • تعود ذكرى انفجار مرفأ بيروت للعام الثالث والمسار القضائي معطّل بشكل كامل منذ مطلع العام 2023 إثر ادعاء النائب العام التمييزي، غسان عويدات، على المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار
  • ترأس سفير استراليا السفير لدى لبنان اندرو بارنز وفدًا من سفراء الدول في لبنان زير الخارجية والمغتربين اللبناني عبد الله بو حبيب وقدموا عريضة باسم ٢٠ دولة تطالب الدولة اللبنانية بالسير قدمًا في التحقيقات
  • تعثر العدالة في لبنان يتركز جهد اهالي الضحايا على حث المجتمع الدولي ومجلس حقوق الانسان والسفارات لمحاولة معرفة الحقيقة في ظل شلل تام في مسار التحقيق العالق منذ نهاية 2021
مرّ الوقت ثقيلًا جدّا على جرح لم يشف لذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت. إنه جرح يصارع من أجل العدالة في دولة لم تقدم حتى كلمة اعتذار.

شربل ونجيب حتّي وشربل كرم، ضحايا فوج الإطفاء

ودعت بلدة قرطبا الجبيلية خيرة شبابها من فوج اطفاء بيروت شربل ونجيب حتي وشربل كرم الذين أرسلوا في مهمّة اطفاء لنيران لن تطفئها الا العدالة، فعادوا بعد أسابيع بقايا جثث. تسترجع انطونيلا حتّي شقيقة نجيب، ذاك اليوم الذي غيّر حياتها للأبد فتتوقف عنده لتتنهد فتقول:

"4 آب 2020 كان يومًا مشؤومًا، بدّل حياتنا 180 درجة. في ذاك اليوم تغيرت حياة قرطبا وعائلات حتّي، كرم وروكز".
Beirut blast victims
Beirut blast victim, Najib Hitti, with his sisters Antonella and Karlen who also lost her husband Charbel Karam. Credit: Antonella Hitti
تقول أنطونيلا:

" توجه شربل، نجيب وشربل بقلب كبير دون خوف ليطفئوا النيران ويخففوا وجع الناس دون أن يعلموا أن دولتهم ستخبئ لهم أكبر انفجار غير نووي في العالم حيث أرسلوا لمهمة الإطفاء".

لم تغرب شمس الرابع من آب/أغسطس على حتمية مقتل شبان الإطفاء، بل انتظرت العائلة 15 شروقًا ومغيبًا لتعرف مصير أبنائها:

"انتظرنا 15 يومًا حتى علمنا أنه تم العثور على أشلاء من شربل ونجيب وفي 15 آب عثر على أشلاء لشربل كرم فاخترنا أن نزف خيرة شبابنا بعرسً وداعي في 17 آب".

تخفي أنطونيلا غصّتها لتقول:

كنا نغمر ونقبّل توابيت فارغة تحوي ذخيرة صغيرة من أجساد أبطالنا
وبعد مرور شهر على الجنازة ’العرس‘، أعلمت العائلة الثكلى أنه قد تم العثور وللمرة الثانية على أشلاء أخرى لشباب الإطفاء، فتضيق الكلمات بأنطونيلا لتقول:

دفنّا اخوتنا مرتين، آسف أن أقول اننا دفننا قلب أخي مع قلب ابن عمي في تابوت أبيض واحد ملفوف بعلم لبنان
وفي المنزل فارغ الذي يتوق لعودتهم، تتحدث أنطونيلا عن قلوب فارغة ومليئة بغصة كبيرة فتقول:

"ما زلت أغفو على سرير نجيب انتظره ليوقظني، جرح لن يختم ابدًا"،

"إنهم روحي وقلبي وجزء مني، انهم إخوتي ولن أتخلى يومًا عنهم او ارضخ لتخويف. سأدافع عن قضيتهم حتى النفس الأخير".

 
Beirut Blst, funeral of the victims
Antonella Hitti with her brother Najib, Charbel Hitti and Charbel Karam. Credit: Antonella Hitti
وفي غياب العدالة، تريد حتّي أن يعرف العالم أن الدولة اللبنانية تعرقل مسيرة العدالة لتوصلها الى جدار مسدود، فتقول:
نريد ان نظهر للعالم بأكمله أن المنظومة الفاسدة فجرتنا، وما زالت تعرقلنا
وأشارت أنطونيلا الى أن ذوي الضحايا يتوجهون الى المجتمع الدولي للمطالبة بتحقيق دولي لأن "من يجب أن يحمونا، قاموا بتفجيرنا".

 جوزيف روكز خسر حياته في مكان عمله

خسرت سيسيل روكز أخيها جوزف أثناء دوام عمله على المرفأ، وبهذا تعتبر أن ما حدث هو جريمة ضد حقوق الانسان اذ طالت الناس في منازلهم واعمالهم.

وفي الذكرى السنوية الثالثة، تقول روكز أن التحقيق ما زال في مكانه دون التقدم أية خطوة الى الأمام.

تتابع روكز كمحامية هذه القضية عن كثب، وتتحدث عن استراتيجية واضحة وضعها القاضي المكلف في هذه القضية فتقول:

"التحقيق يرتكز على عدة محاور بدءًا من كيفية شحن ونقل البضاعة من الخارج الى لبنان وصولًا الى من تعاون بتخزين نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت من الأجهزة الأمنية كافة"
Beirut Blast
Families of victims of the Beirut Port blast and Cecil Roukouz who lost her brother Joseph in the disaster. Credit: Cecil Roukouz

تقول سيسيل أن خمسة أجهزة أمنية على مرفأ بيروت كان عليها رفض تخزين مواد محظورة بحسب القانون، وبذلك يجب أن تحدد مسؤوليات كل المتعاونين ومن أعطى الأوامر من السلطات السياسية:

لو لم يوافق هؤلاء الأشخاص أن تترك هذه المواد على المرفأ طيلة تلك الفترة، لما أصبنا بتلك الفاجعة

لا تنتظر روكز أي شي من دولة عجزت في تأمين أدنى مقومات الحياة لمواطنيها وبحسب قولها لم توفر وسيلة لتعرقل مسار التحقيق:

لجأوا الى تهديد السلم الأهلي لعرقلة التحقيق، الى هذه الدرجة الدولة خائفة من التحقيق؟

Beirut Blast victims
Families of Beirut blast victims speak to journalist Petra Taok of a far-fetched justice on its second memorial

عرقلة مسار التحقيق من قبل السلطة اللبنانية باتت واضحة بالنسبة الى روكز فتقول:

"أرسل المرسوم الى وزير المال لتوقيعه، ولكنه تخطى كل صلاحياته وعرقل الإمضاء بأمر من عينه في الوزارة"، "هناك مذكرات توقيف بحق اشخاص لم يتم توقيفهم، لا بل واكبت القوى الأمنية ترشيحهم".

ملفين خوري الناجية من انفجار مرفأ بيروت: "من حقنا أن نعرف مَن قتلنا ولماذا الدولة غائبة"

واردفت قائلة:
كتب على جدران المرفأ "دولتي فعلت هذا"، وهذا ما حصل بالفعل

غسان حصروتي، حارس أهراءات القمح يصبح قمح الوطن

كان غسان حصروتي "حارس القمح" في مرفأ بيروت. لم يعلم أنه أثناء تأدية مهام عمله في أهرامات القمح، سوف يصبح هو قمح الوطن في الرابع من آب/أغسطس 2020. هناك وفي مكان عمله، أغمض غسان عينيه دون أن يودع أم غسان التي ما زالت تنتظره حتى اللحظة. وهناك بقي غسان عالقاً تحت الأنقاض لمدة أسبوع كامل والعائلة المفجوعة تنتظر خبراً من تحت الركام طيلة أربعة عشر يوماً.

ايلي حصروتي، الابن الذي يؤمن بالعدالة ويناضل لأجلها سبيلًا وحيدًا لبناء الوطن يقول:

"حتمًا العدالة ستحقق ولو بعد حين. هذه مسيرتي الإنسانية وان كان الموت هو حتمية العالم، لما كنا اليوم أحرزنا تقدمًا من خلال العدالة من قلب الدمار والموت".

المواطن هو المكون الأساسي في بناء الوطن، والمواطنة الفاعلة نضال يومي من أجل احقاق الحق، وتعزيز المواساة الجميع تحت سقف القانون. كيف لقضية المرفأ أن تتحول اذًا من بحث عن عدالة للضحايا الى سعي لتثبيت مبدأ العدالة كأساس لبناء الوطن، يجيب حصروتي فيقول:

"المحاسبة التي نسعى الى تحقيقها في هذه القضية لا يمكن أن تتحقق دون وعي اجتماعي وثقافي وأخلاقي ليدرك كل انسان مسؤوليته الفردية والجماعية في هذه القضية"

ويتابع قائلًا:

الجريمة تستدعي العدالة، والعدالة لا تتوقف عند المحاسبة وحسب، بل تتوجه الى عدم نسيان ما حصل وخلق الضمانات لعدم تكراره واستخلاص العبر منه
Elie Hasrouty
Beirut blast victim Ghassan Hasrouty with his family in the celebration of his daughter's wedding. Credit: Elie Hasrouty

مرافقة ذوي الضحايا في مسيرة نحو الشفاء


ترافق جماعة "كنيسة من اجل لبنان" المؤلفة من مكرسين ومكرسات ذوي الضحايا في لقاءات أسبوعية لبدأوا مسيرة الشفاء والمصالحة التي تناشد لعدالة، الحجر الأساس للمضي قدمًا نحو شفاء لذاكرة وطن بأكمله.
Beirut Blast
Sr. Tidola Abdo along with other priests and nuns accompany the relatives of the victims in the pursuit of justice, healing and reconciliation Credit: Sr. Tidola Abdo
تقول الأخت تيدولا عبدو الناشطة والفاعلة في مرافقة ذوي الضحايا منذ الرابع من آب/أغسطس:

نتضامن معهم، نصغي الى وجعهم وغضبهم وإحباطهم. نتألم ونتضامن معهم كي لا تُنسى قضيتهم
أما عن مخاض العدالة تقول عبدو:

 "نحارب معهم نوعين من العنف، عنف النسيان كي تبقى الذاكرة حية لتكشف الحقيقية وعنف الانتقام الذي هو أسهل من تحقيق العدالة، لكننا وعدنا الضحايا وذويهم أن نختار الحياة، الحقيقة والعدالة معهم ومع كل اللبنانيين، وعندما نفقد الأمل يبقى رجاؤنا من العلى".

 أيزاك أطفأ شمعته الأولى والأخيرة...

 الطفل الأسترالي ايزاك اولر كان من المفترض أن يضيء شمعته الرابعة ما لم تسلب حياته في منزل والديه في منطقة الأشرفية مع آخر أغنية قبل العشاء ستغنيها والدته سارة كوبلاند.

تقول كوبلاند إن الدولة اللبنانية خذلت ضحايا مرفأ بيروت مع تعليق التحقيق الداخلي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2021:

لقد خذل لبنان ضحايا انفجار بيروت، ووعد بإتمام التحقيق في غضون أيام من الانفجار، والآن نحن بعد عامين ولم نر تحقيقاً كاملاً في الواقع

تتوقف كوبلاند عند علم الكثير من الأشخاص داخل السلطة اللبنانية،على جميع المستويات، بوجود نترات الأمونيوم التي تشكل خطرًا على المدينة فتقول:

" لقد تم تحذيرهم جيدًا واختاروا عدم القيام بأي شيء والآن يفعلون كل ما في وسعهم لوقف التحقيق. كل ما رأيناه هو تدخل سياسي لوقف التحقيق".

 
Sarah Copland
Sarah Yvone Copland with her son Isaac who died in the Beirut blast on August 4th,2020. Credit: Sarah Copland
تتطلع كوبلاند مع مجموعة من ذوي الضحايا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإجراء تحقيق مستقل وحيادي وشفاف في جريمة المرفأ وتتعاون ايضًا مع منظمتي Human Action Worldwide وHuman Rights Watchللضغط على الحكومات لتقديم قرار في مجلس حقوق الإنسان بإنشاء مثل هذا التحقيق، بما في ذلك الحكومة الأسترالية وان لم تكن حاليًا عضوًا في مجلس حقوق الإنسان، ولكن هذا لا يمنع أستراليا من تقديم قرار بشأن الإجراءات نيابة عن اللبنانيين، وفي هذا الإطار تقول:

"لا يمكننا البدء في التفكير في العدالة ما لم يكن هناك تحقيق كامل. انتهكت الدولة اللبنانية عددًا من حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في الحياة ".

كما وتتوجه كوبلند الى رفع دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد الشركة التي تعاقدت مع السفينة لإحضار نترات الأمونيوم إلى لبنان، لأن ابنها إيزاك يحمل الجنسية الأميركية اذ ولد في الولايات المتحدة الأمريكية.

تقول كوبلاند:

"هناك ممارسات فاسدة في عملية احضار نترات الأمونيوم إلى لبنان".

اليوم وبعد عامين، كل مل يريده قلب الأم أن يعرف أيزاك أنها ستفعل كل ما في وسعها للتأكد من أن الأشخاص الذين فعلوا ذلك به سوف يُحاسبون أمام العدالة. لا تعتقد كوبلاند أنها ستتمكن من الشفاء أبدًا اذ تقول:

أفتقده في كل ثانية، لا أعتقد أنني سأكون قادرة على تقبّل غيابه، فلا يمكنك أبدًا التغلب على وفاة طفل تم أخذه في مثل هذه الوحشية
وختمت قائلة:

"العدالة لن تعيد ابني، لكن كأم، هذا هو آخر شيء يمكنني القيام به وسأقاتل من أجله حتى النهاية".""

التحقيق الى أين؟

تعود ذكرى انفجار مرفأ بيروت للعام الثالث والعدالة بعيدة المنال في سابقة تاريخية الا وهي تعطيل المسار القضائي بشكل كامل منذ بداية العام 2023 إثر ادعاء النائب العام التمييزي، غسان عويدات، على المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، طارق بيطار. هذا وقد تم أخلاء سبيل كل الموقوفين سابقًا في هذه القضية وغادر بعضهم البلاد فيما السياسيين المطلوبين للتحقيق يعاد انتخابهم واهالي الضحايا يصارعون طواحين الهواء بحثًا عن عدالة ضائعة.

بعد تعثر العدالة في لبنان يتركز جهد اهالي الضحايا على المجتمع الدولي ومجلس حقوق الانسان والسفارات في محاولة لإحقاق العدالة، وعشية الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت ترأس سفير استراليا السفير لدى لبنان اندرو بارنز وفدًا من سفراء الدول في لبنان زير الخارجية والمغتربين اللبناني عبد الله بو حبيب وقدموا عريضة باسم ٢٠ دولة تطالب الدولة اللبنانية بالسير قدمًا في التحقيقات.

وكان قد سبق ورد وزير المال السابق علي حسن خليل على الادعاء عليه بقضية المرفأ من قِبل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوان في تغريدة له عبر تويتر جاء فيها: "ردًا على ادعاءات المحقق العدلي القاضي فادي صوان: كنا دومًا تحت سقف القانون وأصوله ونثق بأنفسنا وبممارستنا لمسؤوليتنا." إلا أن خليل رفض المثول أمام قاضي التحقيق معتبراً أن لا صلاحية له بمحاكمة النواب والوزراء فيما يخص عملهم، بل أن هذه الصلاحية محصورة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وهي مرتبطة كذلك بنزع الحصانة النيابية عنهم كنواب وهذا ما لم يحصل.

 بعد ثلاثة أعوام من عدالة ضائعة، ما الذي سيقوله ذوو الضحايا لمن غابوا عن العين، ولكنهم لم يغيبوا عن القلب؟

الإجابة في الملف الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.

استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على



 

 

شارك