أوبرا سيدني: أيقونة معمارية بُنيت في 15 عاماً وظلمت صاحبها 40 عاماً

Untitled design (9).jpg

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

قلة هي المباني التي تختصر مدينة وشعباً وروحاً وثقافة. نادرة هي الحجارة التي تنطق بكلمات ليست كالكلمات. تلك هي دار الأوبرا في سيدني.


في حجرة.. على طاولة.. في طبق.. برتقالة. ألوانها تلمع ببريق سيبهر يوماً العالم.

يورن ينظر إليها بعيني طفل يرى الأشياء لأول مرة.

يتناولها بيده ويقلّبها بين أنامله. وفجأة كما السحر.. تولد في خياله فكرة ستغيّر وجه أستراليا.

هو دنماركي. واسمه الكامل يورن أوتزون. مهنته: مهندس معماري.

فما الذي حدث تلك الليلة وفي الليالي الطويلة التي ستليها؟ تابعونا لنعرف الحكاية.. من البداية.
368036177_671449081688124_5208011380359494023_n.jpg

الجذور الأولى

تعود جذور دار الأوبرا في سيدني إلى عام 1947.

يومها كانت أكبر مدينة في أستراليا تنمو في كافة المجالات. لكن كان ينقصها شيء يعلو باسمها بين المدن.. وبأستراليا بين الأمم.

كيف تصبح سيدني إذاً، عاصمة ثقافية عالمية؟

سؤال كان وراءه قائد أوركسترا سيدني السيمفونية، يوجين جوسينز، الذي دعا لإنشاء دار أوبرا في المدينة تحتضن الأوركسترا السيمفونية وغيرها من العروض الفنية والموسيقية.

وافقت حكومة نيو ساوث ويلز العمالية. وبعد سبع سنوات، أي عام 1954 تشكلت لجنة دار الأوبرا، وأولى مهامها تحديد الموقع المناسب للمبنى. في أوائل العام التالي وقع الاختيار على Bennelong Point على الطرف الجنوبي لميناء سيدني.. وشرقاً مما يُعرف بجسر سيدني هاربر.
LISTEN TO
Everything Australian_Ep1.mp3 image

بدأ مع الأسطول الأول ولم ينته مع المستعمرة الأولى: هذه قصة "يوم أستراليا"

SBS Arabic24

25/01/202409:10
في عام 1956، أطلقت حكومة الولاية مسابقة دولية لتصميم دار الأوبرا تهافت عليها ألمع المهندسين المعماريين من حوالي 30 دولة واستقطبت 233 مشاركة.

لكن مشاركة واحدة ستغيّر قواعد اللعبة وتجعل من سيدني قبلة العالم.

فكرة عبقرية وُلدت في خيال دنماركي من كوبنهاغن على بُعد 16 ألف كيلومتر مربع.

فلنعد إلى يورن أوتزون في حجرته ولنركز مجدداً على البرتقالة.

إلهام يبدأ بقشرة

المباني الخالدة في العالم تحمل بصمة صانعيها وتُجبل حجارتها بأفكارهم وأحلامهم وماضيهم.

فكأن الطفل يورن الذي شُغف بالسفن منذ بداياته كان يحلم دون أن يدري بشراع سيكون ركيزة التصميم الذي حمل له الفوز.
20081130000133739614-original.jpg
البرتقالة بين يديه يقشّرها بسكين. من هذه الحركة البسيطة والقشور التي رآها تتساقط الواحدة تلو الأخرى استلهم فكرة التصميم القائم على أشرعة. أربعة عشر منها ستشكل مجتمعة السقف الفريد لدار الأوبرا وإذا جُمعت مع بعضها ستكوّن كرة كاملة.

هذا التصميم الذي قد يبدو للكثيرين فكرة يستحيل لعقل عادي ابتكارها، ستثبت الأيام أنها كانت أسهل ما في رحلة بناء أوبرا سيدني.

رحلة شاقة استغرقت منذ بدايتها عام 1958 قرابة 15 عاماً قبل أن تصبح حقيقة، بعدما دخلت فيها السياسة والمال والخلافات الشخصية.

فلنكمل الرحلة.

ولادة أيقونة

في كانون الثاني/يناير1957، أعلنت لجنة التحكيم عن الفائز، وهو المهندس المعماري الدنماركي يورن أوتزون. تصميمه يتضمن مجمّعاً مؤلفاً من مبنيين رئيسيين مواجهين للميناء. إلى هنا كل شيء يبدو سهلاً.
لكن عندما أدرك الجميع أن كل قاعة ستكون مغطاة بصف من الألواح المتشابكة على هيئة أشرعة تشكل السقف والجدار، بدأ التشكيك بإمكانية تنفيذ التصميم على أرض الواقع.

كيفية بناء الهيكل المكوّن من قشور كانت بمثابة لغز للمهندسين. ولم يتم حل هذه المشكلة حتى عام 1961، عندما توصل أوتزون نفسه أخيراً إلى الحل، مستبدلاً القشور البيضاوية الشكل بتصميم يعتمد على أقسام معقدة من مجسم كروي.
Opera House In Sydney, Australia
A sky line in of buildings and skyscrapers including the Opera House in Sydney, Australia, 1955. (Photo by Pictorial Parade/Archive Photos/Getty Images) Credit: Pictorial Parade/Getty Images
لكن مع وصول حزب الأحرار إلى الحكم في نيو ساوث ويلز منتصف عام 1965، قلّت الحماسة للمشروع.

وجد المهندس الطموح نفسه في صراع مباشر مع وزير الأشغال العامة حينذاك، الذي أبدى انزعاجه من ارتفاع التكلفة وشكك بقدرات أوتزون رافضاً دفع تكاليف التشغيل. في عام 1966، طفح الكيل بالمهندس الدنماركي فاستقال وأغلق مكتبه في سيدني وتعهد بعدم العودة إلى أستراليا أبداً.

لكن القسم الأكثر صعوبة كان قد اكتمل تقريباً، فاستمر البناء لسبع سنوات أخرى بقيادة فريق من المهندسين الأستراليين.

وعام 1973، بعد 15 عاماً على بدء المشروع، كانت سيدني على موعد مع إليزابيث.

تاريخ.. للمستقبل

20 أكتوبر 1973. تاريخ لن تنساه سيدني. إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، تفتتح رسمياً دار الأوبرا.
QUEEN OPENS SYDNEY OPERA HOUSE
Britain's Queen Elizabeth II, left, declares open the Sydney Opera House complex, Sydney, Australia, Oct. 20, 1973. Seated on the steps are some of the 15,000 invited guests. (AP Photo) Credit: AP
من يومها، ستصبح هذه الأيقونة المعمارية درة التاج الأسترالي وأشهر معالم سيدني بقاعة حفلات موسيقية ضخمة ومسرح للأوبرا يستضيفان 1,500 عرض فني كل عام و8 ملايين سائح يزورونها سنوياً من كل أنحاء العالم، دون أن ننسى طبعاً وأولاً عمالقة الفن الذين غنوا ومثلوا وأبدعوا بين جدرانها.

في عام 2007 تم تصنيف دار الأوبرا في سيدني كموقع للتراث العالمي لليونسكو، لتنضم بذلك إلى عجائب هندسية مثل التاج محل وسور الصين العظيم.

لكن لنعد بالتاريخ إلى عام 1973، وتحديداً إلى يوم الافتتاح.

أوتزون دُعي للحفل لكنه اعتذر. الأب المؤسس لدار الأوبرا كان لا يزال يشعر بالمرارة.
Jorn Utzon
circa 1965: Danish architect Jorn Utzon in front of the Sydney Opera House during its construction. (Photo by Keystone/Getty Images) Credit: Keystone/Getty Images
يورن لم يعد إلى أستراليا حتى وفاته. لكن قلبه لم يغادرها يوماً. روحه ظلت هائمة على شواطئها وبين جدران دار الأوبرا التي بناها.

نعرف ذلك لأنه قالها بنفسه، "حقيقة أنني سأُذكر بهذه الطريقة الرائعة، تمنحني أكبر قدر من المتعة والرضا".
لا أعتقد أنكم يمكن أن تمنحوني مزيداً من السعادة كمهندس معماري. هذه أفضل من أي ميدالية من أي نوع حصلت أو يمكن أن أحصل عليها
هذه كلماته بعد افتتاح قاعة باسمه في دار الأوبرا عام 2004.. "قاعة أوتزون".. التي أعاد تصميمها بنفسه.

أستراليا التي شعر بأنها ظلمته عام 1966 عادت لتخلّد اسمه بعد 38 عاماً.

وإلى أن يجلس مبدع آخر ناظراً بفضول الطفل إلى برتقالة، أو أي مصدر إلهام جديد، ستبقى دار الأوبرا في سيدني شاهدة على الإبداع الذي لا يعترف بالمستحيل، ونموذجاً على حب الإنسان للجمال وتوق الإنسانية.. إلى الكمال.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و

اشتركوا في لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك